التحذير من أهل الأهواء والبدع (للشيخ القاضي)

اعلموا أحبابي في الله
أن أهل البدع صدع في السنة وحرب عليها وشق لعصا المسلمين وووهن في صفوفهم

هذا إلى أنهم انحرفوا عن الحق وتابعوا أئمة الضلالة

وقد كان السلف الأوائل أعرف بهم منا

ولن نكون أفقه لفقه العامل معهم من أئمة السلف الكبار وعلماء السنة الأفذاذ

وسأوقفكم على بعض كلام السلف الكرام هنا

لأني وجدت بعضا من أحبابنا يناقشون بعض أهل الأهواء والبدع (مثل الرافضة) وبعضهم يسلس لهم في الخطاب ولم يكن هذا من هدي السلف، فمن هدي السلف أنه يجب التحذير من أهل البدع ومن مجالستهم أو الثناء عليهم ، وأن هذا كله من أصول أهل السنة.

فإليكم بعض كلامهم الذي يحذر من هؤلاء ومجاالستهم ومناقشتهم
(فإنه لا يجوز مناقشتهم إلا لعالم فقط):


قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :
" لا تجالسوا أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلوب" [أخرجه الآجري في الشريعة للآجري 1/453].

قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله -:
" من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل" [أخرجه الدارمي 1/68].

عن ابن عمر- رضي الله عنهما - :
" أنه جاءه رجل فقال: إن فلانا يقرأ عليك السلام، قال: بلغني أنه قد أحدث، فإن كان أحدث فلا تقرأ عليه السلام". [أخرجه الدارمي 1/68].

قال أبو قلابة :

قال عمران القصير:
" إياكم والمنازعة والخصومة (أي مع أهل البدع)" [أخرجه ابن بطة في الكبرى ص405].

قال سلام بن أبي مُطيع :
" إن رجلاً من أصحاب الأهواء قال لأيوب السختياني: يا أبا بكر، أسألك عن كلمة، فولى أيوب، وجعل يشير بإصبعه: ولا نصف كلمة" [أخرجه الآجري في الشريعة 1/440].


قال محمد بن النضر الحارثي:
" من أصغى سمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم أنه صاحب بدعة؛ نزعت منه العصمة وَوُكِّلَ إلى نفسه" [أخرجه اللالكائي 1/153].


قال يحيى بن أبي كثير:
" إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في غيره" [أخرجه الآجري في الشريعة 1/458].


قال الأوزاعي: " عليك بأثر من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراءَ الرجال وإن زخرفوا لك بالقول" [ذكره الذهبي في العلو(المختصر) ص138].

قال الفضيل بن عياض :
" أحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد. آكل عند يهودي ونصراني أَحبُّ إليَّ من صاحب بدعة. [أخرجه اللالكائي 2/638].

قال أبو الجوزاء:
" لأن يجاورني القردة والخنازير في دار أَحبّ إليَّ من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء" [أخرجه ابن بطة في الكبرى 2/476].

" لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في الضلالة، أو يَلْبِسوا عليكم في الدين بعض ما لَبَس عليهم" [أخرجه الآجري في الشريعة 1/453-436].


قال أرطأة بن المنذر: " لأن يكون ابني فاسقا من الفساق أَحبّ إليَّ من أن يكون صاحب هوى" [أخرجه ابن بطة في الشرح والإبانة ص149].

قال عبد الله بن المبارك - رحمه الله - :
" صاحب البدعة على وجهه الظلمة وإن ادَّهن كل يوم ثلاثين مرة" [أخرجه اللالكائي 1/159].

قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -:
" من تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع" [أخرجه ابن بطة في الشرح والإبانة ص175].

كان ابن طاووس جالسا فجاء رجل من المعتزلة، قال: فجعل يتكلم، قال: فأدخل ابن طاووس إصبعيه في أذنيه قال: وقال لابنه: أي بني، أدخل إصبعيك في أذنيك واشدد ولا تسمع من كلامه شيئاً. قال معمر: يعني أن القلب ضعيف" [أخرجه اللالكائي 1/152].

وقال الشوكاني في تفسيره لقول الله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا...) الآية [الأنعام: 68]:
" وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتمسح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة، وبدعهم الفاسدة. فإنه إذا لم يُنْكِر عليهم ويُغَيِّر ما هم فيه، فَأَقَلُّ الأحوال أن يترك مجالستهم، وذلك يسير غير عسير. وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهةً يشبهون بها على العامة، فيكون حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر" [فتح القدير 2/128].

وقال البغوي - رحمه الله - :
" فعلى المرء المسلم إذا رأى رجلا يتعاطى شيئا من الأهواء والبدع معتقدا، أو يتهاون بشيء من السنن أن يهجره ويتبرأ منه، ويتركه حيا وميتا" [شرح السنة 1/224].

وقال صلى الله عليه وسلم < إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونفاخ الكير ،فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة > رواه البخاري ومسلم واللفظ له .

قال الإمام النووي في شرحه لمسلم : "... وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب ، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ... "

وقال الإمام أبو داود السجستاني: قلت لأبي عبدالله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أترك كلامه؟، قال: " لا، أوتُعْلِمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه، فكلمه، وإلا فالحقه به، قال ابن مسعود: المرء بخدنه ". طبقات الحنابلة:1/153 رقم /216 وانظر الآداب الشرعية 1 /251.

وقال الإمام ابو قلابة " لا تجالسوا أهل الأهواء فإني لاآمن أن يغمسوكم في ضلالهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون " . وقال الإمام الحسن البصري " لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب ".

وقال الإمام ابن المبارك " يكون مجلسك مع المساكين ، وإياك أن تجالس صاحب بدعة ".

وقال الإمام الفضيل بن عياض "من جلس مع صاحب بدعة ، لم يعط الحكمة " روى هذه الآثار ابن بطة وغيره .

وقال الإمام البربهاري " وإذا رأيت الرجل جالس مع رجل من أهل الأهواء ،فحذّره وعرّفه ، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه ؛ فإنه صاحب هوى ... إذا ظهر لك من إنسان شيء من البدع ؛ فاحذره ، فإن الذي أخفى عنك أكثر مما أظهره . وإذا رأيت الرجل من أهل السنة رديء الطريق والمذهب ،فاسقا فاجرا ، صاحب معاصي ضالا وهو على السنة ؛فاصحبه واجلس معه ، فإنه ليس يضرك معصيته ، وإذا رأيت الرجل مجتهدا في العبادة متقشفا محترفا بالعبادة صاحب هوى ؛ فلا تجلسه ولا تقعد معه ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في الطريق ، فإني لا آمن أن تستحلي طريقته ، فتهلك معه ... " شرح السنة ص/ 118- 121


وقال الإمام ابن باز لما سئل السؤال التالي: فضيلة الشيخ أحسن الله إليك: الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم هل يُلْحَقُ بهم؟ فقال: " نعم ما فيه شك، من أثنى عليهم ومدحهم هو داع لهم ؛ يدعو لهم، هذا من دعاتهم نسأل الله العافية " .. راجع شريط التعليق على كتاب "فضل الإسلام" للإمام محمد بن عبد الوهاب تسجيلات البردين بمدينة الرياض-

وسئل العلامة صالح اللحيدان حفظه الله، طالب علم يجالس أهل السنة وأهل البدع، ويقول: كفى الأمة تفريقا وأنا أجالس الجميع فقال " هذا مبتدع، من لم يفرق بين الحق والباطل ويدعي أن لهذا لجمع الكلمة فهذا هو الابتداع، نسأل الله أن يهديه أهـ. براءة علماء الأمة ص 52

فإني أهيب بأحبابي من أهل السنة في هذا المنتدى المبارك وفي غيره ألا يجادلوا صاحب بدعة ولا يناقشوه وخصوصا الرافضة الذين كفروا صحابة نبيكم ووقعوا في عرض نسائه
فاهجروهم وإن تصدى لهم شيخ يمكنه مجادلتهم فذاك وإلا فلنلتزم بهدي السلف في ذلك فإنه الحصن
--
المصدر: منتدى طريق الحقيقة 

من أعمال القلوب (الرجاء)


كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(رواه مسلم)، ومدح الله -عز وجل- المؤمنين العاملين بما كان منهم من رجاء رحمته إذا عملوا، فقال: (أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ(الإسراء:57).
تعريف الرجاء:
فالرجاء هو الاستبشار بجود الله وفضل الرب -تعالى-، والارتياح لمطالعة كرمه ومنته، فيعمل المؤمن العمل ويرجو القبول من الله، وإذا أذنب الذنب تاب ورجا التوبة وقبولها من الله.
الفرق بين الرجاء والتمني:
فالراجي: كمن يشق أرضه ويفلحها ويبذرها، ويرجو طلوع الزرع.
والمتمني: كحال من يتمنى أن يكون له أرض يبذرها ويأخذ زرعها.
وجاء في بعض الآثار: "ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قومًا ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، ويقولون: نحن نحسن الظن بالله، فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل"؛ فالرجاء لا يصح إلا مع العمل.
من هم أهل الرجاء؟
1ـ يرجون قبول أعمالهم: قال -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً)(الأحزاب:21)، وقال: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(الكهف:110).
2ـ يرجون مغفرة ذنوبهم: ففي الحديث: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي(رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -تعالى-: (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ(الإسراء:57).
ما جاء في الرجاء من الكتاب والسنة:
قال الله -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(الزمر:53)، قال على -رضي الله عنه-: "هي أرجى آية في كتاب الله". وقيل هي: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ(فاطر:32).
وقال زين العابدين: "هي قوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(الضحى:5)، فإن محمدًا لا يرضى أن يكون واحد من أمته في النار".
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَلا قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي إِبْرَاهِيمَ: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) الآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلام-: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: (اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى فَقَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلام- فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلا نَسُوءُكَ(رواه مسلم).
فاللهم إنا نرجو رحمتك ونخشى عذابك، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.
------
المصدر: موقع صوت السلف

من روائع البيان القرآني

كتبه فضيلة الشيخ/ محمد عبد الحكيم القاضي
___________________________

حينما تنظر إلى أسباب النزول تحل لك أمور كثيرة من المقاصد القرآنية .. وهذا شيء متفق عليه بين أهل العلم .. صحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهذا شيء متفق عليه بين الأصوليين والفقهاء .. لكن هناك أمورا لا يعرف خبيئة الحكم الموجود بها إلا بمعرفة سبب نزولها ...

ومن امثلة ذلك مثلا قوله تعالى :
{ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا }

فإن مفهوم الشرط هاهنا مستحيل لأنه يقتضي أن من لم ترد تحصنا يجوز لسيدها أن يتركها للبغاء ، وهذا محال في دين الله تعالى ومخالف للإجماع . فمفهوم النص هنا لا يتجه ، ومن هنا يلجأ إلى سبب نزول الآية ليحل الإشكال ، وقد روى مسلم وغيره عن جابر قال: كان عبد الله بن أبي يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئاً، فأنزل الله عز وجل (وَلا تُكرِهوا فَتياتِكُم عَلى البِغاءِ) إلى قوله (غَفورٌ رَّحيمٌ) . (أسباب نزول القرآن للواحدي كتاب الكتروني ص117) فدل هذا على أنه نهي عن أن يطلب الرجل من أمته شيئا من هذا . فدل ذلك على أن المنهي عنه هو أحد وجهي الشرط وليس الوجهين ، أي المنهي عنه إكراههن وقد أردن التحصن لا عدم الأكراه إن لم يردنه .. وهذا من دقائق الفهم لأسلوب الشرط ومفهومه لا يتأتى إلا بمعرفة ملابسات النهي لا مجرد النص .. ولذلك قال السيوطي : " والإطلاع على ذلك من فوائد معرفة أسباب النزول" . (الإتقان في علوم القرآن 1/266)

هذا أمر .. ولكن الأمر المهم الذي أريد الإشارة إليه هنا هو روعة التعامل القرآني مع السائلين عن بعض قضايا الدين الحنيف وهو أمر يحتاج منا إلى اهتمام في التأمل ..

من المعروف أن الأصل في إجابة السائل المستفتي ان يجاب على نص سؤاله وهذا هو السائد المعروف في القرآن والحديث وتصرف العلماء ، لكن من غرائب النسق القرآني أن تأتي بعض الإجابات على سؤال السائل بطريقة مغايرة لهذا المألوف ، وهذا ما سنشير إليه هنا ونبين ما فيه من عمق تشريعي وتهذيبي ، ونكتفي بمثالين هنا :

الأول :
قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} سورة البقرة/189
فعن أي شيء سأل هؤلاء في ميدان الأهلة ؟ باستفتاء أسباب النزول نجد أنهم سألوا عن كيفية خلق الأهلة واختلاف أحجامها على مدار الشهر ..

قال الكلبي: نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة، وهما رجلان من الأنصار قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير، ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يكون كما كان، لا يكون على حال واحدة؟ فنزلت هذه الآية. (أسباب نزول القرآن للواحدي ص 15) فالإجابة هنا ليست على عين السؤال ، إذ لم تتعرض لمسألة اختلاف الأحجام أو نحوها وإنما ذكرت فائدة الأهلة ، )، فعدل عن الجواب عن عين سؤالهم إلى الجواب عن منافع الأهلة في الدين والحياة، فهذا ما يقدرون على فهمه في ذلك الوقت، وهو كذلك أجدى عليهم، وأنفع لهم.

وأيا كان سند رواية الكلبي عن معاذ هذه فيبقى أن سبب نزول الآية لم يكن سؤالا عن فائدة الأهلة ومقاصدها ولذلك يقول العلامة ابن عاشور في التحرير : ".... فالجواب بقوله ( قل هي مواقيت ) غير مطابق للسؤال فيكون إخراجا للكلام على خلاف مقتضى الظاهر بصرف السائل إلى غير ما يتطلب تنبيها على أن ما صرف إليه هو المهم له لأنهم في مبدأ تشريع جديد والمسؤول هو الرسول عليه الصلاة و السلام وكان المهم أن يسألوه عما ينفعهم في صلاح دنياهم وأخراهم وهو معرفة كون الأهلة ترتبت عليها آجال المعاملات والعبادات كالحج والصيام والعدة ولذلك صرفهم عن بيان مسؤولهم إلى بيان فائدة أخرى لا سيما والرسول لم يجيء مبينا لعلل اختلاف أحوال الأجرام السماوية والسائلون ليس لهم من أصول معرفة الهيئة ما يهيئهم إلى فهم ما أرادوا علمه بمجرد البيان اللفظي بل ذلك يستدعي تعليمهم مقدمات لذلك العلم على أنه لو تعرض صاحب الشريعة لبيانه لبين أشياء من حقائق العلم لم تكن معروفة عندهم ولا تقبلها عقولهم يومئذ ولكان ذلك ذريعة إلى طعن المشركين والمنافقين بتكذيبه فإنهم قد أسرعوا إلى التكذيب فيما لم يطلعوا على ظواهره" (التحرير والتنوير كتاب الكتروني 1/ 535)

فانظر إلى التعامل القرآني مع السائل . وهذا يدل على أن المفتي يجوز له أن يصرف السائل عن أصل سؤاله إن لم يكن له فيه فائدة ويجيبه على وجه آخر من وجوهه يعلم ان فائدته العلمية والدينية تتحقق به . ومن ذلك ما رواه الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (مَا أَعْدَدْتَ لَهَا) قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ, قَالَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) .
فصرف النبي صلى الله عليه وسلم السائل عن موعد الساعة لأنه مما لا يستفيده السائل ولا يعرفه المسئول إلى شيء يفيده وهو ماذا أعد لها .

وأما المثال الثاني :
فهو قوله تعالى : {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} سورة النساء/32 .

فقد روي في سبب نزولها عند الترمذي في سننه 5/ 237.. عن مجاهد عن أم سلمة أنها قالت : يغزو الرجال ولا يغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث . فأنزل الله {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}فهنا كان تساؤل أم سلمة كأنها تطلب تفسير سبب هذا الفرق بين الذكر والأنثى في الغزو والميراث ، ويشهد لها رواية البيهقي السنن الكبرى 9/21): "أيغزو الرجال ولا نغزو فنستشهد وانما لنا نصف الميراث ؟" .. لكن القرآن الكريم عدل عن هذا وأجاب بما هو أهم للمرأة وهي أن تحمد الله على فضله وتسأله مزيد فضله ولا تتمن ما فضل الله الرجال عليها فيه فهذا خير لها ..

وسبحان الله جاء الزمان الذي عرفنا فيه مدى عظم هذه الإجابة ؛ فها هي النسوة المتمردات على شريعة الرحمن تجعل من حسدها للرجال وتمنيها ما فضله الله به عليها موقدا لحرب على الله ورسوله .. فلماذا لا تشاركه في العمل ؟ ولماذا لا ترشح نفسها للمجالس النيابية لتتولى النيابات العامة والقضاء ؟ولماذا لا يكون لها مثل نصيبه في الميراث ؟؟

وأختم هذه الحلقة بقول صاحب الظلال مبينا ارتباط التشريع بالتربية النفسية العالية (2/104) :
"إنها حلقة في سلسلة التربية ، وحلقة في سلسلة التشريع . . والتربية والتشريع في المنهج الإسلامي متلازمان؛ أو متداخلان؛ أو متكاملان . . فالتشريع منظور فيه إلى التربية؛ كما هو منظور فيه إلى تنظيم شؤون الحياة الواقعية؛ والتوجيهات المصاحبة للتشريع منظور فيها إلى تربية الضمائر؛ كما أنه منظور فيها إلى حسن تنفيذ التشريع ، وانبعاث التنفيذ عن شعور بجدية هذا التشريع؛ وتحقق المصلحة فيه . والتشريع والتوجيه المصاحب منظور فيهما - معاً - إلى ربط القلب بالله ، وإشعاره بمصدر هذا المنهج المتكامل من التشريع والتوجيه . . وهذه هي خاصية المنهج الرباني للحياة البشرية . . هذا التكامل الذي يصلح الحياة الواقعية ، ويصلح الضمير البشري في ذات الأوان . ."

خطبة عيد الفطر (الشيخ/ محمد عبد الحكيم القاضي)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. 
ثم أما بعد، 
أيها الأحبة في الله: أضع بين أيديكم خطبة العيد، والتي ألقاها فضيلة الشيخ/ محمد عبد الحكيم القاضي _حفظه الله_ بقرية صفط الخمار -محافظة المنيا بصعيد مصر، سائلا المولى جل وعلا أن يثيبني ومن سمع أو نشر أو دل على هذه المحاضرة. 
للاستماع للمحاضرة: 



لتحميل المحاضرة: 
لتحميل ملف الصوت للمحاضرة: 

وأسأل الله -جل وعلا- أن يعفو عني وعن والدي وعمن أحببت، والمسلمين أجمعين. 
والله ولي التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل

الدم : التعريف، الصفات الفيزيائية ، الوظائف


تعريف الدم

Definition of Blood
الدم عبارة عن سائل لزج القوام أحمر اللون وهو من ضمن أشكال النسيج الضام يملأ القلب ويجري داخل الجسم من خلال الأوعية الدموية ( الأوردة والشرايين والشعيرات الدموية) ، ويبلغ حجم الدم في الجسم 5 ‏- 6 ‏لتر في الشخص البالغ حيث يشكل نسبة 8.7 ‏% من وزن الجسم، كما تبلغ كمية الدم الموجودة في الجهاز الدوري (القلب والأوعية الدموية) ثلثي الكمية الموجودة في الجسم كله بينما الثلث الباقي يخزن في الكبد والطحال ومناطق أخرى في الجسم.
الصفات الفيزيائية للدم
Physical properties of blood
اللون Colour
‏لون الدم أحمر وذلك نتيجة لوجود مركب الهيموجلوبين الذي يكسب الدم هذا اللون وتختلف درجة هذا اللون تبعا لنوع الدم فهو أحمر فاتح في دم الشرايين وذلك نتيجة لوجود الأكسجين وأحمر قاتم في دم الأوردة نتيجة لوجود ثاني أكسيد الكربون.
اللزوجة Viscosity
‏تبلغ لزوجة الدم خمسة أضعاف لزوجة الماء، فهي في الرجال تبلغ 4.7 ‏وفي النساء 4.3 ‏وتعتمد لزوجة الدم بشكل أساسي على البروتينات الموجودة في البلازما وبالأخص بروتين الفيبرينوجين.
الكثافة النوعية للدم Specific gravity
‏تتراوح في الرجال ما بين 1.057 – 1.067 وفي النساء مابين 1.051 – 1.061 وهي تعتمد على المواد المنحلة في ‏البلازما مثل البروتين وكريات الدم الحمراء.
درجة حموضة الدم pH
‏يميل الدم إلى القلوية حيت تبلغ درجة الـ pH في دم الشرايين 7.4 ‏وفي دم الأوردة 7.35 ‏.

مكونات الدم

Blood components
يتكون الدم من جزئين هامين هما:
‏- البلازما ( Plasma ‏) وتشكل 55 ‏% من الحجم الكلي للدم.
‏- خلايا الدم ( Blood cells ‏) وتشكل 45% ‏من الحجم الكلي للدم.
‏أولاً :‏ البلازما ( (Plasma
‏هي عبارة عن الجزء السائل الذي تسبح فيها خلايا الدم، وهي ذات لون أصفر باهت ويشكل الماء نسبة 90 ‏% من الحجم الكلي للبلازما وهذا شيء مهم إذا ما علمنا أن الماء مذيب جيد لكثير من المواد والجزيئات وبالتالي هذا يجعله وسطا فعالا لنقل جزيئات المواد
الغذائية المذابة فيه، أما النسبة الباقية وهي الـ 10% تتكون من التالي:
‏- بروتينات الدم ( الألبومين، الجلوبيولين، الثرومبين والفبرينوجين) .
‏- مواد غذائية كالسكريات والدهون والفيتامينات والأنزيمات والهرمونات.
‏- مواد إخراجية مثل اليوريا والكرياتينين وحمض اليوريك.
‏- مواد غير عضوية مثل البوتاسيوم والكالسيوم والصوديوم والحديد والكلور والمغنيسيوم وغيرها من ‏العناصر الأخرى.
‏يمكن الحصول على البلازما بعملية الطرد المركزي بعد إضافة مادة مانعه للتجلط حيث تترسب خلايا الدم.
ثانياً : خلايا الدم ( (Blood cells
تقسم خلايا الدم إلى ثلاثة أقسام هي :
‏- خلايا الدم البيضاء White Blood Cells) WB.C. ‏)
‏- كريات الدم الحمراء Red Blood Cells) R.B.C ‏).
‏- الصفائح الدموية ( Blood Platelets ‏).

وظائف الدم

Functions of Blood
1. الوظيفة التنفسية Respiratory
تتمثل في نقل الأكسجين (O2) من الرئة إلى الأنسجة وطرد ثاني أكسيد الكربون (CO2) من الأنسجة إلى الرئة .
2. الوظيفة الغذائية Nutritive
تتمثل في نقل وتوزيع المواد الغذائية من القناة الهضمية إلى جميع الأنسجة المختلفة للجسم .
3. الوظيفة الإخراجية Excretory
يقوم الدم بحمل نواتج التمثيل الغذائي من الأنسجة إلى أجهزة الإخراج مثال ذلك: نقل ثاني أكسيد الكربون إلى الرئتين ونقل اليوريا إلى الكليتين .
4. تنظيم درجة حرارة الجسم Regulation of body temperature
يعمل الدم على توزيع الحرارة على جميع أجزاء الجسم المختلفة فينقل الحرارة بسرعة من الأنسجة العميقة إلى الأنسجة السطحية وبالعكس وبذلك فهو يحافظ على توازن الجسم (Body balance ‏) كما يلعب دورا هاما في تنظيم درجة الحموضة ( pH ‏) في الأعضاء المختلفة.
5. الحفاظ على توازن الماء Water balance
يلعب الدم دورا مهما وحيويا في التوازن المائي في الجسم، حيث يحافظ على كمية الماء الموجودة في الجسم وذلك عن طريق إخراج الزائد من الماء عن طريق الكليتين وعن طريق الغدد العرقية الموجودة في الجسم.
6. نقل وتنظيم إفراز الهرمونات Transport and regulation of hormone
يقوم الدم بتنظيم إفراز الهرمونات من غددها كما يحافظ على نسبتها بشكل متوازي في الدم كما يقوم أيضا بنقل هذه الهرمونات من أماكن إنتاجها إلى الأماكن التي تعمل بها.
7. الدفاع عن الجسم أو الحماية Defence
يحتوي الدم على خلايا الدم البيضاء ( WBC ‏) التي تنتج الأجسام المضادة ( Antibodies ‏) التي تقوم بالدفاع عن الجسم ضد الميكروبات والفيروسات التي تهاجمه ( أي أن له دور رئيسي في مناعة الجسم ضد الأمراض المختلفة).
8. تخثر الدم Blood coagulation
يعمل الدم على الوقاية من النزيف ( Bleeding ‏) بواسطة عملية تجلط أو تخثر الدم حيث يعمل الدم عوامل التجلط ( Coagulation factors ‏) التي لها دوراً هاما في عملية إيقاف النزيف أثناء الإصابة بالجروح وبذلك يتم الحفاظ على كمية الدم الطبيعية في الجسم.
-------------
طبيب دوت كوم