موت الفجأة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى
صحابته الغر الميامين، وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره وسلك طريقه إلى يوم الدين،
وبعد.
انتشر في عصرنا هذا ما
يسمى بـ (موت الفجأة)، فكثير من أهلنا وأصدقائنا كانوا بيننا، وفرق بيننا وبينهم
الموت بدون سابق إنذار. فما هي صورة موت الفجأة؟ وهل هناك علامات لموت الفجأة؟ وما
هي أسباب موت الفجأة؟ وكيف يمكن تفاديه؟ وهل موت الفجأة يكثر في آخر الزمان أم هو
في كل زمان؟ وإلي أي مدى يمكن أن تكون الصدقات وفعل الخير منجية من الموت بشكل عام
بإذن الله؟ وهل هناك أعمال أخرى تدخل في ذلك؟ ما الذي يجب فعله كي يكون الإنسان
مستعدًا للموت، سواء الفجأة أم الطبيعي؟ ومتى يصل الإنسان إلى درجة الاطمئنان وعدم
الخوف من الموت؟ وهل موت الفجأة هو عقوبة للإنسان إذا علمنا أن أغلب المجاهدين من
الصحابة رضوان الله عليهم ماتوا على فرشهم؟
أسئلة كثيرة تدور حول
هذا الموضوع، وقد قمت بقراءة بعض المقالات والفتاوى التي ذكر فيها أهل العلم ما ورد
في هذه المسألة .. وسأختصر عليكم بعض ما قرأت، لعله يفيدكم ولو بشيء بسيط.

سُئل في هذا فضيلة الشيخ/ ابن جبرين (رحمه الله)، فأجاب ما
مختصره:

ورد في بعض الآثار أن في
آخر الزمان يكثر موت الفجأة، وله صور كثيرة، فمنها ما يسمى بالسكتة القلبية، بأن
تتوقف حركة القلب، ويحصل بعدها الموت في تلك اللحظة، ومن هذه الصور: السكتات
القلبية، وحوادث المرور، والقتل، ,غيرها.
وإذا مات فجأة لا يجوز
تجهيزه حتى يتحقق موته ويعلن خروج روحه، وعلامات ذلك انخساف صدغيه وميل أنفه،
وغيبوبة سواد عينيه في البالغين، وانفصال كفيه بأن تسترخي عصبة اليد وتنخلع الكف من
الذراع وتبقى كأنها منفصلة في جلدتها عن عظم الزند وكذا استرخاء رجليه ولينها
واسترسالها بعد خروج الروح، وكذا امتداد جلدة وجهه، وأوضح علامات الموت تغير
رائحته، ولا ريب أن هذه العلامات دالة على موته يقينًا، وسبب تأخير تجهيزه إذا مات
فجأة مخافة أن يكون عرضت له سكتة قلبية، وقد يفيء بعد يوم أو يومين، كما حصل ذلك
كثيرًا.
فقد روي عن الإمام أحمد
قال: (( أكره موت الفوات ))، وسبب الكراهية لما فيه
من خوف حرمان الوصية، وفوات الاستعداد للمعاد بالتوبة وغيرها من الأعمال الصالحة،
 ومع ذلك فقد روي عن عائشة وابن مسعود (( موت الفجأة راحة
للمؤمن وأسف على الفاجر
))، ولعل ذلك أن المرض والألم الطويل تستثقله النفس،
ويعتريها الضجر والألم وعدم التحمل، حتى يتمنى الموت للتخلص من ذلك الألم.

وقد ثبت أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال:  (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل
به، فإن كان لا بد قائلا فليقل اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني ما
كانت الوفاة خيرًا لي)
  كما أن على المؤمن أن يحتسب تلك الآلام
والأمراض خيرًا وأجرًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم  (ما
يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من
سيئاته
).
وقد ذكر بعض العلماء أن
إبراهيم الخليل وجماعة من الأنبياء عليهم السلام ماتوا فجأة، وهو موت الصالحين، وهو
تخفيف على المؤمنين، ولطف ورفق بأهل الاستعداد للموت، وغضب على من له تعلقات يحتاج
إلى الوصية والتوبة.
ويكثر موت الفجأة في آخر
الزمان، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن (من
أمارات الساعة أن يكثر موت الفجأة
) ذكره في مجمع الزوائد عن الطبراني في
الصغير والأوسط ، وحسنه الألباني وعزاه للطبراني والضياء المقدسي كما في صحيح
الجامع الصغير .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من
أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه
) فجعل صلة الرحم
من أسباب طول العمر
وهو معنى أن ينسأ له في أثره،
فتكون صلة الرحم من أسباب طول الحياة أو من أسباب بركة العمر ولو كان قصيرًا بحيث
يستغله في العلم النافع والعمل الصالح.
وأما الذي يجب فعله ليستعد الإنسان للموت، فإن
عليه:
 أولا
أداء الواجبات، والإكثار من المستحبات، وترك المحرمات والمكروهات وبعض المباحات،
وبذلك فسر قول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ
بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ
)

 وثانيًا: ما جاء في قوله صلى الله
عليه وسلم لما سئل بعد قوله: (إذا دخل المؤمن القبر انفسح
وانشرح
) فقيل وما علامة ذلك: (العمل لدار الخلود
والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله)
أو كما قال. وقد كان
كثير من السلف رحمهم الله دائمًا على أهبة الرحيل، بحيث لو قيل لأحدهم إنك ستموت في
هذا الشهر لم يكن هناك ما يزيد به في العمل، حيث أنه مستغرق أوقاته في الأعمال
الصالحة، وفاطمًا نفسه عن الآثام والمحرمات.
وثالثًا
إكثار ذكر الموت، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثروا
ذكر هادم اللذات الموت فإنه ما ذكر في قليل إلا كثره ولا في كثير إلا قلله
).
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطًا
مربعًا، وخط خطًا في الوسط، وخط خطوطًا عن يمينه وعن يساره وخط خطًا خارجًا عنه ثم
قال: (هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به وهذا عمله وهذه
الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا)
أخبر بأن هذا الخط البعيد هو الأمل وأن على
الإنسان أن يقصر أمله، وألا يمد بصره إلى أهل الدنيا و ملذاتها وشهواتها، كما قال
الله تعالى:(وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا
مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)
فمن كان كذلك فإنه
مطمئن في هذه الحياة ويكون مستعدًا للوفاء، غير خائف من مفاجأة الأجل لأنه دائمًا
على أهبة الرحيل.
ثم إن موت الفجأة قد يكون عقوبة، حيث أنه يحال بينه
وبين الوصية، وكتابة ما له وما عليه، ولأجل ذلك كان موت أغلب الصحابة رضى الله عنهم
موتًا عاديًا، سبقه مرض وماتوا على فرشهم، وقد يكون موت الفجأة راحة للمسلم من شدة
الألم وطول المرض، فقد ورد في الحديث أن ملك الموت إذا جاء عند رأس المؤمن يقول: (اخرجي
أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب كنت تعمرينه فتسل روحه من جسده كما تسل
الشعرة من العجين)
وفي رواية فتسيل روحه كما تسيل القطرة من فم السقاء (وأما
الكافر فتتفرق روحه في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول)

ومع ذلك فقط يشدد الموت على المسلم، وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن
يموت بعرق الجبين)
والله أعلم.
اللهم توفنا وأنت راض عنا

0 التعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يعني لي الكثير ، فلا تبخل به !